شنــــــــــدى القديمـــــــــــــــــــــــة (شندي)

Sudan / Nahr-an-Nil / Sandi / شندي

المدن القريبة:
الإحداثيات:   16°41'37"N   33°25'24"E

التعليقات

  • من هنا كانت بداية مدينة شندى قبل حوالى 4000 عام وربماأكثر من ذلك . لكن من المؤكد ان هذه المنطقة قد شهدت سكنا متواصلا غير منقطع طوال هذه السنوات .ودل على ذلك الجبانات وبعض الاثار التى اكتشفت فى محيط هذه المنطقة . فعندما بدأ انسان العصر الحجرى التحول تدريجيا الى الزراعة على ضفاف الانهار كان فى حاجة لمكان وموضع مناسب للأستفادة من الرى بالفيضان بعد انحسار المياه . فكانت هذه المنطقة المرتفعة عن خطر الفيضانات ، بقربها من موارد المياه الدائمة فى النهر طوال العام و باطلالها على الكرو الكبير كانت تمثل موقعا مناسبا وممتازا لتلك التجمعات الحضرية
  • كلمة شنـــــدى فى اللغة النوبية القديمة تعنى الكبش أو الكباش ( فحل الضأن ) ربما كانت شندى منطقة صغيرة مأهولة ابان عهد مملكة مروى .ولم يكن فيها من العمران والمعابد الكثير مقارنة بعاصمة المملكة فى مروى ( البجراوية ) لكن من المؤكد انه قد بدأ ظهورها القوى ، كمركز ومعبر تجارة بعد سقوط مملكة مروى حوالى منتصف القرن الرابع الميلادى
  • دخلت المسيحية الى السودان من الشمال المصرى حوالى القرن الثالث الميلادى ثم دخل السودان بعد انهيار مملكة مروى حوالى منتصف القرن الرابع الميلادى فيما يسمى بالفترة المظلمة . اذ لا يعرف الا القليل عن التطور والتجمعات الحضرية فى هذه الفترة . ولكن من المؤكد فى هذه الفترة زيادة التأثير المسيحى القادم من مصر شمالا ومن الشرق من الكنيسة الحبشية .وقد توج هذا التأثير بقيام مملكتى المغرة فى الشمال وعاصمتها دنقلا العجوز وعلوة فى الجنوب وعاصمتها سوبا حوالى منتصف القرن السادس الميلادى ومن ثم امتد نفوذ مملكة علوة حتى تخوم كبوشية الحالى شاملا منطقة شندى . وكان تأثير الكنيسة الحبشية واضحا فى مملكة علوة .وفى هذه الفترة بدأ تطور شندى الحضارى والتجارى وظهورها القوى كملتقى طرق للقوافل
  • اختلفت الروايات فى معنى تسمية شندى . بعض الرويات تقول ان كلمة شندى فى اللغة النوبية تعنى البيع نقدا وان شندى ابان العهد المسيحى كانت سوقا لتجارة الرقيق والبيع نقدا ورواية أخرى تقول أن شندى فى الغة النوبية مع تحريف بسيط تعنى ( الشفـــــــة ) وانه لما كان نهر النيل عند مدينة شندى يتعرج عند المنحنى فى شكل الشفة فمن هنا جاءت هذه التسمية . لكن من المرجح ان اسم شندى ارتبط بهذه المنطقة بالتحديد منذ العهد المروى اوائل القرون الاولى للميلاد . وقد تكون الكلمة محرفة فى اللغة القديمة من كلمة الكباش التى كان لها وزنا خاصا وتقديسا أبان العهد المروى القديم . ومنطقة شندى لا تزال تذخر بانواع من سلاسلات الكباش الممتازة
  • أول من زار شندى فى العصر الحديث كان الرحالة الاسكتلندى - جيمس يروس ( 1730-1790 م ) فقد زار شندى عام 1769 م وهو فى طريقه لاكتشاف منابع النيل . فزار بربر وشندى وسنار ووصل الى بحيرة تانا فى الحبشة . وقبل ان يصل شندى كتب عن آثار مملكة مروى والمدينة الملكية فى البجرواية. ولكنه لم يصل الى النقعة والمصورات . وصف شندى بانها صغيرة أقرب الى القرية منها الى المدينة .الا أن سوقها عامر جدا . لم ير مثله الا فى مصر العليا . وقال أن شندى عندئذ كانت ملتقى طرق القوافل ما بين سنار وبارا ودارفور الى بربر والحبشة وسواكن وقال ان السلع فيها أجود وأفضل مما وجده فى سنار . وذكر أن الحاكم عندئذ كانت امرة ينادونها ب( ستنا ) كان لها حوش كبير يطل على النيل يقام قريب منه السوق الذى كان يعمر كثيرا فى يوم واحد من الاسبوع وستنا هى شقيقة محمد الامين ود عجيب صاحب الحلفاية وهى أرملة الفحل ود ادريس . كان الفحل مرشحا لخلافة والده المك ادريس الا أنه مات قبله . وللفحل ولد من ستنا اسمه ادريس ذكر بروس أنه مرشح لخلافة والدته .
  • وكان نمر الاكبر ( جد المك نمر ) آنذاك وكيلا لتجارة المكة ستنا وكان صاحب ثراء عريض تزوج من ابنة المك ادريس شقيق كل من الفحل وسعد وكانت تلقب ب( بت برة ) وقد ولت له محمدا وهو والد المك نمر .ٌ قال جيمس بروس أن المكة ستنا أكرمت وفادته وكان يحضر- بطلب منها - بعضا من مجالسها وكانت تطلب منه أن تسمع شيئا من أخبار بلاده ورحلته . وقد أبدت أعجابها لجرأة شخص غريب مثله للسفر وحده فى هذه النواحى التى قالت أنها لا تأمن غوائلها حتى على ولدها ادريس .ودل قولها ذاك على أضطراب الاحوال فى تلك الفترة .وهى الفترة التى ولى فيها الهمج اسماعيل ود بادى ابو شلوخ سلطنة سنار بعد ان عزلوا وقتلوا أخاه ناصرا
  • ذكر بروس ان شندى كانت قرية صغيرة ولكن فى حقيقة الامر ان شندى عندئذ كانت تتكون من عدد من الحلال ( جمع حلة ) ذكر ذلك الرحالة جون بوركهارت عندما زار شندى عام 1814 م . وربما كان بروس يعنى عندئذ الحلة الرئيسة وهى حلة السوق . لكن حسب افادة بوركهارت فان مجموع الحلال التى كانت تتكون منها شندى كانت ثلاث او اربع . علمنا منها حلة السوق وكان ذلك الحى الرئيسى وكان يقع غرب مسجد السوق الحالى . وشندى فوق وتقع جنوب مدرسة كامل الى قبة ابوفراج وحلة البحر حول مسجد الفاتح ابوجوخ الحالى .كما كانت هناك مسميات أخرى مثل حلة الدناقلة وحلة السعداب . وقد ذكر بوركهارت ان هذه التجمعات لم تكن متلاصقة , كان بينها مساحات فارغة وفسحات كانت تقام فيها احيانا بعض الاسواق والاحتفالات . ولم تكن الحجازة عندئذ جزء من شندى . بل كان نهاية شندى جنوبا التخوم التى حول قبة ابو فراج . وبعد مقتل اسماعيل فى شندى عام 1822 ورحيل المك نمر الى الحبشة كانت حملة الدفتردار الانتقامية . فقتل الالاف وهدمت واحرقت المنازل و خلت شندى تماما من سكانها لمدة زادت على الخمسة والعشرين عاما . لم يكن أحد يتجرأ للعودة لمسكنه أو ارضه والا كان ن مصيره القتل لذا هجر و ترك الناس اموالهم وأراضيهم التى قسمت بعد ذلك على السكان الجدد من الاتراك العاملين وغيرهم . لهذه الاسباب فأن أقدم العائلات فى شندى يرجع تاريخها الى ما بعد عام 1855م عندما رضى الاتراك عن شندى وبدأ عمرانها من جديد . ولا نجد عائلة ترجع جذورها الى ما قبل ذلك التاريخ
  • لم تكن الحجازة فى القديم جزء من شندى وعند بداية الفتح التركى كان آخر حلال شندى جنوبا هى حلة شندى فوق التى كانت تقع غرب قبة ابوفرج . نشأت الحجازة كتجمع حضرى حول المسجد أبان عهد السلطنة الزرقاء لذلك كان مسجد شندى العتيق سابق لتاريخ هذا المسجد . وقد نشا مسجد الحجازة أساسا وسط تجمعات رعوية وكانت المنطقة فى القديم منطقة رعاة خارج الاطار الحضرى والسكانى لحاضـــــرة شندى . سكن شمالها بعد الفتح التركى القرداب ويقال انهم من الشايقية التحقوا بجيش الفتح التركى ومن ثم استقروا شمال الحجازة بعد حملة الدفتردار . وملكوا الاراضى الزراعية التى هجهرها اصحابها بعد مقتل اسماعيل باشا وخلو شندى من سكانها . وقد تصاهروا واختلطوا مع القبائل الاخرى فى المنطقة وكان منهم شخصيات عظيمة كان لها كثير الاثر على شندى وتطورها عاصرنا منهم أمثال الجاك بادى ومحمد احمد الجمرى وميرغنى اباهيم والحاج ود على وكثير قبلهم نرجو أن يؤرخ لهم . وقد اتصلت الحجازة بشندى كما علمنا بعد الثورة المهدية
  • أمثال الجاك بادى ومحمد حامـــــد الجمرى وميرغنى ابراهيم والحاج ود على والخيفة محمد خير وغيرهم وقبلهم كثر نرجو أن يؤرخ لهم وقد جلست الى المرحوم محمد حامد الجمرى واستقيت منه معلومات كثيرة عن تاريخ شندى وعن أعيانها نرجو أن نوثقها لاحقـــــــا
  • ولد جون لويس بوركهارت فى 24-11-1874 م بمدينة لوزانا بسويسرا وبعد أكمال دراسته بجامعة ليزبج وجامعة قوتنج ارتحل الى انجلترا فى صيف عام 1806 م وهو يحمل خطاب توصية من عالم الطبيعة السويسرى جون فريديج الى سير جوزف بانك وبقية اعضاء الجمعية الافريقية . ومن ثم قبل طلبه للقيام برحلة استكشاف لنهر النيجر بغرب افريقيا .بعد قبوله بدأ فى تعلم اللغة العربية والدراسات الاسلامية بجامعةكميردج . وبدأ فى أعداد نفسه لهذه الرحلة وذلك بالتجوال فى ربوع انجلترا فى فصل الصيف .يعتمد فى غذاءه على الماء والخضار فقط ويبيت على الارض حتى يتعود على نمط الحياة فى بلاد الشرق وافريقيا .
  • غادر بوركهارت انجلترا الى مالطا عام 1809 م ومن هناك ارتحل الى حلب فى سوريا حتى يجود لغته العربية ويزيد فى دراساته الاسلامية .وهناك فى حلب حتى يحقق كامل هدفه فقد أظهر الاسلام وسمى نفسه شيخ ابراهيم بن عبد الله وقد كتب البعض بعد ذلك عن أن اعتناقه الدين الاسلامى كان حقيقيا .خاصة بعد زيارته الى الحجاز عام 1814 م وبقائه فى مكة المكرمة بعد أداءه فريضة الحج قراية الثلاث أشهر . وانتقاله بعد ذلك لزيارة المدينة المنورة .الا ان أسرته نفت ذلك وقالت أنه مات على النصرانية .
  • قضى بوركهارت عامين فى ربوع الشمام كان اثناءها قد أجاد اللغة العربية اجادة تامة وتعلم القرآن ودرس الديانة الاسلامية .واثناء تجواله اكتشف آثار البتراء بالاردن وكتب عنها لاول مرة . بعد ذلك قرر المضى قدما فى مشروعه لاكتشاف أعالى نهر النيجر بغرب افريقيا .عليه فقد وصل الى القاهرة فى صيف عام 1812 م والتحق بقافلة وجهتها المغرب عن طريق الساحل الليبى .الا انه بعد وصوله معها الى فوزان بليبيا رأى صعوبة مواصلة السفر من المغرب الى النيجر فكر راجعا الى مصر وقرر السفر الى غرب افريقيا عن طريق السودان .وهنا يقال أنه جند بواسطة السلطة التركية للكتابة عن السودان واحواله . وكان القصد جمع المعلومات توطئة للفتح التركى الذى تم عام 1821 م .بدأ بوركهارت رحلته اوائل عام 1814 / ووصل مع قافلة تجارية الى ارض المحس ودنقلا .ومن هناك صرف النظر عن السفر الى غرب افريقيا فاستمر فى رحلته الى بربر وشندى ومن هناك الى سواكن فالحجاز . وسنقوم بالترجمة الكاملة لكتاباته ومشاهداته فى شندى
  • سنتابع رحلة وكتابات بوركهارت منذ وصوله الى الدامر فى ابريل 1814 م ورحلته من الدامر الى شندى وفترة اقامته فى شندى كتب بوركهارت : وصولنا الى الدامر 10 ابريل 1814 م الدامر قرية كبيرة تكاد ات تصنف كمدينة صغيرة .بها حوالى 500 منزل وهى نظيفة وجميلة ، بها عدد كبير من المبانى الجديدة وقليل من الخرابات مقارنة ببربر.المنازل مبنية فى غير انتظام وهى تتكون من غرفة واحدة أو غرفتين مع رواكيب وقطاطى من القش والسعف .المنازل مبنية فى غير ما أنتظام ولكن الشوارع بين البيوت واسعة وممتدة .وهناك فى الشوارع عدد من الاشجار الظلليلة .تسكن الدامر قبيلة المجاذيب .بها بعض القبائل الاخرى ولكن السيادة للمجاذيب الذين ترجع اصولهم الى الجزيرة العربية وهم شيوخ او فقراء كما يسمون .ليس فى الدامر مك كما رأيت فى مناطق أخرى ولكن السيادة للشيخ الكبير الذى هو من المجاذيب .ويمارس الشيخ أو الفكى الكبير سلطة مطلقة على السكان وهو مطاع وحاكم يفصل فى النزاعات . والفكى له سلطة روحية على جميع السكان فى المنظقة . مهاب ومحترم . وله كرامات وحوادث خارقة تتداول بين الناس .ومن ذلك ما سمعته عن الشيخ عبد الله والد الشيخ الحالى . قالوا انه عرضت له قضية سرقة قام فيها السارق بذبح الخروف المسروق وأكله . ولكن عندما عرضت القضية على شيخ عبد الله بكرامته ه تكلم الخروف من بطن السارق وشهد بالسرقة
  • نفوذ الفكى والمشائخ كبير جدا فى الدامر وهم يرجع اليهم فى كثير من شئون الحياة خاصة المسائل الدينية والخاصة . وقد رايت فى الدامر عدد مقدر من المدارس الدينية الملحقة بالمساجد والتى يؤمها عدد كبير من الدارسين الذين يأتوا للألتحاق بها من سنار وكردفان ودارفور ومن كثير من مناطق السودان وبد اكمال الدارسة يعودوا لمناطقهم وقد اصبدوا فقهاء وشيوخ يمارسوا تفس الدور والمكانة التى يمترسها مشائخ الدامر وقد رأيت فى مدارس الدامر عدد من الكتب الدينية القيمة ومن نسخ القرآن المخطوطة التى ربما تسوى الكثير اذا بيعة فى القاهرة . فى الدامر عدد من الزوايا والمصليلت بالقرب من منازل المشائخ ولكن يصلى الجمعة فقط فى المسجد الكبير وسط البلدة والمسجد الجامع الكبير ليس به مئذنة كما فى مساجد مصر ولكن بناءه جيد مقارنة بمنازل البلد مبنى من الطين المتماسك وارضه من الرمل النظيف والمسجد الجامه ابرد وأظل مكان فى الدامر لذا رأيت كثير من المسافرين يقيلوا فيه بعد صلاة الظهر خاصة
  • الشيخ او الفكى الكبير يسكن فى خلوة قرب المسجد الكبير .يقضى فيها جل فترة الصباح والظهر فى الدراسة ويرسل اليه الطعام من تلاميذه ومريديه وبعد العصر يخرج من الخلوة الى ظل قريب ويفرش فروة على حجر مسطح يجلس عليه حتى مغرب الشمس ويحيط به مريديه واصحاب الحاجات وقد ذهبت مرة الى مجلسه ورايته عليه عباءة بيضاء غطت كامل جسمه جلست امامه وقبلت يده وسألنى من أين أنا وماذا درست ؟ويبدو أنه قد اقتنع باجاباتى وقد جلس بالقرب منه شيخ قيل انه مغربى حضر من مكة وانه يدير اعمال الشيخ الخاصة وقيل انه قد جمع من ذلك مبلغا مقدرا من المال
  • سلام الشريف تابع
  • كتب بوركهارت عن الدامر - ابريل 1814 م مدينة الدامر تنعم بأمن واستقرار واضح .وذلك لللمكانةالدينية والاحترام والتقديس الذى يكنه سكان القبائل لحكامها من الفقهاء ورجال الدين .فعصابات البشاريين التى تقطع الطرق وتعوث فسادا فى مناطق الصحراء والتخوم المجاورة لم يسمع قط أيمان ثابت بأن المجاذيب وشيوخهم قادرون على ايذائهم .بل فى اعتقادهم انهم ايضا قادرون على منع المطر عنهم والمطر يشكل اساس حياتهم الرعوية والبدوية .وقد شاهدت عددا من البشاريين والجعليين وهم يبيعون خرافهم فى اسواق الدامر فى أمن وطمأنينة
  • كتب بوركهارت عن الدامر ابريل 1814 لايوجد فى الدامر سوق ثابت ولا سوق يومى ولكن السوق يقام اسبوعيا فى ساحة وسط البلدة تباع فيه الحصائر المصنوعة من سعف الدوم ز والدامر تشتهر بهذه الصناعات وتباع فيه ايضا الخراف والماعز والابقار وبعض المنتجات المحلية المصنوعة من الفخار .نسبة لعدم وجود السوق الثابت فقد وجدت صعوبة فى شراء مقدار قليل من الذرة لغذاء حمارى . لان التعامل فى السوق الاسبوعى بالريال وما فوق واضطررت لمبادلة عقد من الخرز بشيىء قليل من الذرة
  • كتب بوركهارت عن الدامر - ابريل 1814 عندما وصلت الى الدامر فى البداية تولد لدى شعور بعمق وغلبة التأثير الدينى والروحى على المدينة . ولكن بعد ان زرت معظم احيائها واتصلت بسكانها لفت انتباهى العدد الكبير من ( الانادى ) التى تباع فيها المريسة والعرقى وبيوت الرذيلة التى يؤمها عدد كبير من الناس ليلا . لكن مع ذلك تلاحظ غلبة المشاعر الدينية فى كثير من أوجه الحياة . فى أحد الايام وأنافى بعض ازقة الدامر احمل بعض القلائد لبيعهااستوقفنى أحد المشائخ وسألنى ان كنت استطيع القرآة .فلما اجبته ايجابا طلب منى أن أتبعه ووعدنى بوجبة غداء دسمة .ذهبت معه ومن ثم دلفنا الى احد المنازل حيث وجدنا عدد من الفقراء والمشائخ وهم جلوس فى حفل تأبين قريب لهم .كان الكل يقرأ القرآن فى صمت . جلست بينهم وبدأت فى القرآة .بعد قليل دخل شيخ كبير يبدو أن شيخ الحلقة فتحولت القرآة الى قرآة جهرية بصوت عال .واستمرت كذلك حتى أحضر طعام الغداء الذى كان وليمة كبيرة ذبح فيها ثور .وبعد الغداء واصلنا القرآة حتى قريب المغرب .عندها احضر أحد المشائخ كمية من الحصى الابيض وقمنا جميعا بالقرآة عليها .وعلمت أن هذا الحصى من ثم ينقل الى قبر المتوفى وينثر فوقه . وقد شاهدت من قبل عددا من القبور منثور فوقها هذا الحصى .وقد سألت احد المشائخ عن هذه العادة فذكر لى ان هناك اعتقاد ان روح الميت عندما تزور جسدها فى قبره فأنها تتقلد قرآن هذا الحصى ومن ثم ترجع الى الملأ الاعلى وهى مسرورة مستبشرة . عندما اتممنا القرآة دخلت النساء وبدأن فى الصراخ والولولة وعندها غادرت المنزل ولم ينس مضيفى أن يدس فى يدى بعض من لحم وطعام لزوم وجبة العشاء
  • كتب بوركهارت عن الدامر ابريل 1814 م رأيت نساء الدامر يهتمين بتزيين منازلهن .اطباق كبيرة من الخشب توضع على الجدران واحيانا توضع طباقة لغطاء الطعام ملونة ومزينة كما توضع حصائر ملونة وبيضاء مصنوعة من سعف الدوم على الارض .ورأيت أحيانا بيض النعام وريشه معلق على الجدران غرب الدامر قرية صغيرة تسمى الدامر الغربية لاحظت تقدما فى طرق الرى مقارنة بمناطق النوبة الاخرى فالرى بالساقية منتشر هنا كما فى مصر العليا ذّلك مكن من الزراعة المستديمة للأرض طوال العام .وزراعة محصولين على الاقل كل عام مقارنة بالرى بالفيضان المنتشر فى مناطق النوبة الاخرى حيث تزرع الارض لموسم واحد فقط .لذلك كانت منطقة الدامر أقل عرضة للمجاعات ولكن مرض الجدرى منتشر هنا ويحصد كثير من الارواح كل عام .تزرع فى هذه المنطقة الذرة الرفيعة كمحصول غذائى رئيسى وقليل من القمح لاستهلاك المشائخ الذين تأثروا بالطعام المصرى .كما تزرع الويكة والشطة التى هى عنصر اساسى فى الطعام كما يزرع القطن وانواع رديئة من التبغ الذى يباع عموما للبشاريين اذ ان المشائخ لا يستعملون التمباك بتاتا .الابقار هنا اكثر عددا وأحسن تغذية منها فى بربر كما يوجد عدد كثير من الحمير وعدد قليل من الحصين .واقد اشترت قافلتنا عدد من الجمال من سوق الدامر لمواصلة الرحلة جنوبا .حكام الدامر من المجاذيب لا يتحصلون على ضرائب ولا على مكوس من القوافل العابرة - ذلك كان واحد من اساب ازدهار الدامر وسوقها - ودخلهم الاساسى من الزراعة والتجارة الخاصة بهم مضيفنا فى الدامر كان معقولا جدا فى مطالبه وقد غادرنا الدامر ونحن ممتنون لسكانها وحكامها وقد ارسل شيخ قافلتنا بعض روؤس من السكر الى كبير شيوخ الدامر كان ذلك اختيارا وتقديرا له ولم يكن اجبارا
  • كتب بوركهارت عن الرحلة من الدامر الى شندى 15-04-1814 م استعدت القافلة لمغادرة الدامر الى شندى .شددنا رحالنا فى صباح يوم 15-04 الباكر متوجهين الى شندى ورافقنا اثنان من مشائخ الدامر لحميتنا خوفا من هجمات البشاريين وقطاع الطرق فالطريق غير آمن بين شندى والدامر ولكن نسبة لنفوذ مشائخ الدامر الدينى واحترام العامة لهم فوجود واحد منهم أو اثنان فى القافلة كفيل بتأمين الحماية اللازمة .ومن غير مرافقة الفكى أو الشيخ للقافلة فربما احتاج الامر لقوة عسكرية حتى يمكن حماية القافلة .وقد رأيت فى الطريق أهالى الارياف وهم يهرعون نحو القافلة ويقبلون أيدى الفكى بكا احترام وتقدير ثم ينصرفون ونسبة لانعدام الامن فان القوافل القادمة من شندى الى الدامر تتوقف شمال شندى بقليل انتظارا لاحد المشائخ أو عدد منهم للحضور من الدامر ومرافقتهم. رغم أن قافلتنا كانت آمنة بمرافقة الفقهاء الا ان التجار كانوا قلقين ومتوجسين خوفا من هجمات غير متوقعة من قطاع الطرق المنتشرين فى الغابات الممتدة على جوانب الطريق .كنت أحمل بندقيتى وهى غير معمرة وكانت تلك عادتى اذ كنت أعلم أن مجرد وجودها ظاهرة فى كتفى كفيل باخافة اللصوص .الا ان احد التجار اقبل نحوى وهو يعلم أن البندقية غير معمرة وقد طلب منى باستفزاز شديد ان أعمر البندقية بالرصاص لتكون جاهزة لصد اللصوص الا انى رفضت فقامت بيننا مشاجرة فاساء الى قائلا انى ( معرص خواف ) لا استحق ان احمل مثل هذا السلاح اجبته ان ذلك غير صحيح قلت له انى على الاقل احمل سلاحا احمى به نفسى ولكنك وامثالك تحمل عصا بدلا من أن تحمل سيفا تدافع به عن نفسك .وقد استفزه قولى ذلك فضربنى ضربة قوية بالعصا بين كتفى حتى وقعت على الارض من شدة الضربة الا انى قمت بسرعة وضربته بعقب البندقية وكنت اود ان أعالجه باخرى لولا تدخل الحجازة الذين خطأوه على فعله ووعدوا بالوقوف معى ضد اى استفزاز مستقبلا .بسبب هذه الحادثة ولخوفنا من اللصوص وقطاع الطرق فلم استطع كتابة التفاصيل بكل دقة عن مسيرنا خلال هذا اليوم
  • كتب بوركهارت عن الرحلة من الدامر الى شندى- 15-04-1814 م بعد مغادرتنا الدامردخلنا فى غابة من اشجار السلم وواصلنا السير متجنبين الكثبان الرمليةوكنا نشاهد بعض القرى الصغيرة على ضفاف النهر محاطة باشجار الدوم وقيل ان هذه النواحى تسكنها قبائل المكابراب كانوا يدينون بالولاء لمك شندى ولكنهم استقلوا من سلطة شندى فى الوقت الحاضر اصبحوا يعتمدون فى معاشهم على الزراعة وقطع الطرق وبسبب ذلك قيل انهم فى نزاع وحروب دائمة مع جيرانهم وهم يتسمون بالشجاعة حتى أن القوافل تخشى المرور بمناطقهم من دون مرافقة شيوخ الدامر بعد حوالى ستة ساعات من الدامر صعدنا تلة رملية ثم نزلنا سهلا ممتدا سرنا فيه حوالى تسعة ساعات حتى وصلنا قريةتسمى - حوايا - وهى تعتبر الحدود الشمالية لشندى.فى حقيقة الامر فان نفوذ شندى يمتد الى نهر المقرن ( نهر عطبرة كما سمى لاحقا ) ولكن الدامر كما شاهدنا مستقلة تماما عن شندى .وصلنا حوايا عصرا وكان الجو جميلا نزلنا النهر واستحم جميع افراد القافلة المائء صاف وبارد وضفة النهر ملئية بحصى ابيض .نزلت القافلة فى وسط القرية على اعتبار انه مكان آمن لقضاء الليل
  • كتب بوركهارت عن الرحلة من الدامر الى شندى - 15-04-1814 م اخذت بعض الخرز والعقود لاستبدالها ببعض الكسرة والطعام مررت على عدد من المنازل ولكن دون جدوى واخيرا وجدت بعض الرجال الذيم ابدوا الرغبة فى شرائها قالوا ان زوجاتهم قد يشترينها وطلبوا منى أن أتبعهم الى منازلهم سرت خلفهم فى طرق القرية الضيقة ولما وصلنا الى زقاق صغير هجموا على واخذوا العقود وغطاء رأسى حاولت مقاومتهم ولما رأوا أنى غير مسلح أخرجوا سيوفا من طى ثيابهم وعندئذ هربت فارا بجلدى وصلت الى القافلة وضحك منى جماعتى ونصحنى بعضهم بالذهاب الى شيخ القرية الذى أكدوا لى انه سيجد اللصوص وسيعيد لى اغراضى بحثت عن الشيخ ووجدته فى انداية وسط القرية ومعه جماعة سكارى يحتسون الخمر اخبرته بما حدث ووصفت له اللصوص أمرنى بالجلوس وهمس لعدد من جماعته الذين خرجوا وسرعان ما عادوا باغراضى أصر الشيخ على أن أجلس معهم وآخذ كوبا من الخمر ولما اعتزرت له قام بنفسه وأوصلنى الى معسكر القافلة وكان على عندئذ ان أعطيه اكرامية جزاء صنيعه ضعف قيمة المسروقات .وأنا أكتب ذلك الان حتى أبين صعوبة السير فى هذه البلاد من غير ان تسرق اغراضك أو أن تدفع الاتاوات
  • كتب بوركهارت عن الرحلة من الدامر الى شندى 16-04-1814 م بعد اربع ساعات من السير من قرية حوايا وصلنا الى قرية تسمى قباتى . منزل القرية مبنية بعيدا بعض الشيىء من النهر عند نهاية الارض الصالحة للزراعة ذلك كما فى قرى مصر العليا .رايت فى قباتى مبنا غريبا عبارة عن مخروط ( قبة ) بطول حوالى 30 قدم وترتكز على قاعدة مربعة بها باب صغير كمدخل للمبنى .المبنبى من الاجر ( الطوب الاخضر ) رأيت الباب مغلقا وقيل يفتح يوم الجمعة للزيارة شكل المبنى من بعيد شبيه بالهرم ربما كان هذا الشكل ب تعلمه السكان من زمن الاثيوبيين ( مروى ونبتة ) وربما كان هو الذى اوحى للمصريين القدماء ببناء اهراماتهم . وقد رأيت قبة مثل هذه فيما بعد فى شندى ولكنها فى شندى حجمها صغير مقارتة بهذه القبة ( ربما كانت قبة ابوفراج ) ولكنى لم أشاهد مثل هذه القباب فى رحلتى هذه الا هنا وفى شندى ( قلت بوركهارت لم يسافر جنوب شندى وانما من شندى عاد ادراجه الى سواكن . ربما لو سافر جنوبا لشاهد عددا كبيرا من القباب من شندى الى سنار )
  • كتب بوركهارت عن الرحلة من الدامر الى شندى 16-04-1814 بعد أن غادرنا قباتى جنوبا سرنا وسط سهل تحفه كثبان رملية من ناحية الشرق والسهل متسع نسبيا عرضه حوالى 4 أميال كان موسم الحصاد قد انتهى ولكن كنا نشاهد بعض اعواد الذرة لا تزال قائمة فى بعض الاراضى مما يدل على الاهمال والتقصير والزراعة نفسها كما بدت ليست كثيفة وغزيرة كما فى مصر العليا اشجار السدر منتشرة بكثرة وسط الاراضى المعدة للزراعة وكذلك غابات من شجر العشر البرى منتشرة فى كل مكان مررنا بعدد من القرى الصغيرة على سفوح الرمال المطلة على الاراضى الزراعية وبعد مسير حوالى عشر ساعات وصلنا الى قرية كبيرة نسبيا تسمى الجبيل ( قلت ربما قرب جبل ام ام على ) القرية بها عدد من المساجد الصغيرة وبيوت حسنة البناء مبنية من الطين هذه الجبيل يحكمها احد اقرباء مك شندى ويمتد نفوذه الى ما بعد قرية حوايا انخنا رحالنا فى جانب من القرية واخذنا قسطا من الراحة والنوم أيقظنا بعدها خدم الشيخ وقد احضروا لنا طعاما كثيرا كان كافيا لاطعام كافة مجموعة القافلة . تحركنا فجرا وشاهدت عددا من المسافرين على ظهر الحمير يبدوا انهم مسافرون بين القرى والحلال ورأيت بعض قوافل صغيرة من الجمال متجهة شمالا الى بربر .بعد الحبيل هناك جبل طويل يمتد بحذا النهر
  • كتب بور كهارت عن الرحلة من الجبيل ( جبل ام على ) الى شندى - 17-04-1814 م بعد الجبيل عبرنا ارضى مزروعة ثم مررنا بمناطق يبدو انها مناطق اثرية بها عدد من الخرابات والطوب المحروق المتناثر حولها. هذه الخرابات ممتدة لمسافة أكثر من ميل وسط الاراضى الزراعية الطوب الحرارى خشن وغير مستوى تماما وصناعته اقل اتقانا من طوب الاثار المصرى هناك بعض بقايا المبانى لم استطع فحصها جيدا نسبة لارتباطى بالسفر والحركة مع القافلة لكن ربما بالتدقيق ومزيد من الدراسة يمكن الكشف عن ماهية هذه الاثار .بعد ثلاث ساعات اخرى من السير وصلنا الى قرية صغيرة تسمى دواد ( قلت ربما كانت الهواد حيث الوادى الكبير ) التلال هنا تأخذ منحنى نحو الشرق تاركة سهل متسع عرضه على الاقل عشرة اميال وهو ملىء بالاشجار الشوكية والعشب ونبات الحلفا .رأيت عددا كبيرا من القطاطى والمنازل الصغيرة منتشرة على امتداد السهل هنا يقوم العرب الجعليون برعى ماشيتهم من البقر والجمال والخراف والاغنام هناك عدد قليل من الابار حيث يزرعون البصل بكميات كبيرة ويباع فى سوق شندى .القطاطى سقوفها من الحصير دخلت عددا منها بحثا عن اللبن ولكن لم احصل على شيىء قليل الا بعد ان بادلته بكمية من الذرة التى احملها معى .الطريق وسط الوادى ملىء بالشجر الشوكى القصير واشجار السنط التى اعاقت مسيرنا بعض الشيىء.بعد ذلك سرنا ساعتين او ثلاث وسط ارض خصبة ثم دلفنا بعدها الى سهل رملى فى اطرافه اشجار سيال كبيرة انخنا رواحلنا عند النهر وسقيناها واخذنا قسطا من الراحة
  • كتب بوركهارت عن الرحلة من الهواد ( خور الدوشين ) الى شندى - 17-04-1814 م الان بعد سبع ساعات من مغادرتنا الجبيل ( جبل ام على ) وصلنا الى نهاية سهل رملى منطقة تسمى بيوضة رايت فيها عدد كبير من المنازل الصغيرة المنزل يتكون من غرفة واحدة تمارس فيها كل الانشطة هنا فى هذ ا المكان يستخرج الملح ويصدر عن طريق سوق شندى الى كثير من انحاء البلاد خاصة المناطق جنوب شندى الى سنار. الارض على امتداد عدد من الاميال مشبعة بمحلول الملح الذى يجمع بواسطة الاعراب على شكل اكوام تصف على جانب الطريق الملح ينقى من التراب بغليه فى اوانى فخارية كبيرة والمستخرج يصفى مرة اخرى ويغلى فى أوان أصغر ثم بعد ذلك يعصر الملح ويضغط فى الواح حوالى قدم ×قدم وعرضها حوالى 3 بوصات الملح المستخرج صافى ابيض اللون شبيه بالملح الصخرى .بعد ذلك تجمع كل 12 قطعة فى سلة واحدة مصنوعة من سعف الدوم والجمل يحمل اربع سلال ( قفاف ) تجارة الملح من اهم ما يشتهر به سوق شندى ويصدر الملح الى سنار حيث يشتريه التجار هناك بكميات كبيرة وينقل جنوبا حتى جبال راس الفيل ( جبال بنى شنقول ) حيث يقايض بالعبيد والذهب معظم اعمل صناعة وتعبئة الملح هنا فى بيوضة تابعة لمك شندى وقد رأيت حوالى عشرين معملا للتنقية اثناء مرورى بالمنطقة. غادرنا بيوضة وبعد مسافة قضيرة وصلنا الى سهل رملى به شجرة نخيل واحدة قائمة لوحدها وسط السهل وكانت تلك النخلة هى الوحيدة التى رأيتها خلال رحلتى من دنقلا حتى هذا المكانا.ذلك ان اشجار النخيل لا تزرع فى هذه المناطق .عندما وصلنا النخلة عم القافلة الفرح والسرور فعندها ايذان بالوصول الى شندى ونهاية الرحلة الطويلة . تحت الشجرة وجدنا عدد من اهالى شندى فى استقبال القافلة للقاء اقاربهم والبعض لمشاهدة البضائع.فى العادة القوافل لا تدخل شندى نهارا وكان علينا الانتظار حتى بعد مغيب الشمس حيث تحركنا ببطء الى داخل المدينة وكانت المسافة من الجبيل ( جبل ام على حتى هنا حوالى تسع ساعات
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى - 17-4 الى 17-05-1814 م دخلنا شندى مساء ونزلنا فى منزل كبير يخص احد اصدقاء شيخ القافلة العبادى . المنزل يقع فى طرف المدينة الشرقى نحو الصحراء .لكن فى الصباح ارسل لنا المك احد خدمه ليخبرنا انه يريد هذا المنزل .قال ان المك يريد ان تقيم فيد احدى خدم اقرباء لهم من سنار . قال ان الخادمة مصابة بالجدرى ونصح كجزء من عالجها ان تقيم فى مكان نقى الهواء ومعزول . وامر المك ان ننتقل الى منزل آخر وسط المدينة .نقلنا اغراضنا ووجدنا صاحب المزل الجديد فى سفر ولكن زوجته قامت بالواجب واكرمتنا غاية الاكرام شندى مدينة كبيرة وتأتى كما يقال ثالثا بعد سنار عاصمة الفونج وكبكابية حاضرة الفور .وشندى بناء على مشاهدات التجار اكبر من دنقلا ومن سائر مدن الشمال واكبر من حواضر كردفان .شندى كما شاهدت بعد ذلك تتكون من عدد من الاحياء كل حى قائم بذاته منفصل عن الاحياء الاخرى اما بفسحات وميادين او باماكن تقام فيها الاسوق بيوت شندى حوالى 800 - 1000 منزل والبيوت مبنية خارج نطاق الارض الزراعية على اطراف الارض الصحراوية وبعض بيوتها يبعد حوالى نصف ساعة من النهر . منازلها شبيهة بتلك التى فى بربر ولكن هناك عدد مقدر من البيوت الكبيرة وقليل من المنازل الخربة مقارنة ببربر . المنازل نادرا ما تفصل بينها طرق وشوارع مستقيمة وربما لا تجد شارع واحد على استقامة او اعتدال والبيوت منتشرة على السهل نحو الصحراء فى غير نظام او تناسق . لم اشاهد فى شندى منزل واحد مبنى من الطوب المحروق . منزل المك ومنازل اقربائه احسن بناء من سائر المنازل بها حوش صغير حوالى عشرين قدم مربع محاط بحيطان عالية . ما ذكرته هذا هو وصف عام لمنازل واحياء شندى
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى 17-04-الى 17-05-1814 م السلطة الكاملة فى شندى بيد المك والمك الحالى اسمه المك نمر وعائلته هى فرع من العائلة المشاركة فى حكم سنار وتسمى عائلة ود عجيب .والد المك نمر من قبيلة الجعليين ولكن والدته من اسرة ود عجيب لذا يبدو ان للنساء دور فى توريث الحكم فى شندى .والشاهد على ذلك ان بروس عندما زار شندى قبل حوالى خمسين عاما من الان كتب أن أمراة كانت تحكم شندى وان اسمها ستنا .مك شندى مثله مثل حاكم بربر يدين بالولاء لحاكم سنار ولكن فيما عدا مبلغا من المال يدفعه مك شندى لحاكم سنار كل عام وفيما عدا بعض الزيارات من كلا الجانبين فان مك شندى مستقل تماما عن سنار بمنطقته الممتدة شمالا مسيرة يومين . قبل وصول المماليك الى دنقلا كان المك نمر فى حرب متصلة مع قبائل الشايقية فى الشمال الذين قتلوا عددا من اقربائه وأعوانه فى الحرب ولكن المك نمر بتجهيز عدد كبير من الخيول وتدريب عدد كبير من الخيالة استطاع هزيمة الشايقية كما استطاع اخضاع الجانب الغربى من النيل لسلطته . ولكن بعد دخول المماليك دنقلا وحتى يتفرغ الشايقية لحماية مناطقهم ووقف تقدمهم جنوبا فقد قاموا بمصالحة المك نمر . ولكن بعد ذلك لم ينعم المك نمر بالهدؤ اذ قام صراع بينه وبين اخيه الذى يحكم الضفة الغربية من النيل وقامت بينهما حرب لم يكن فيها منتصر وأصبح الان النهر فاصل بينهما مع قليل من الاتصال بين سكان الضفتين . سلطة المك نمر سلطة مفردة على شندى عكس بربر حيث العائلة المالكة هناك بعدد كبير من افرادها تهيمن على السلطة .لذا استشرى الظلم والجشع فى بربر وكان ذلك سبب فى عزوف التجار والاجانب من الاقامة فيها . لكن هنا فى شندى سلطة وقوة المك ونفوذه واضح على القبائل العربية المقيمة فى شندى والتى هى من الضعف بحيث لا تستطيع تنازع الملك او السلطة مع المك
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى - 17-04 الى 17-05-1814 م اكبر العشائر فى شندى النمراب والنافعاب والجعليين ومعظم هذه القبائل تعيش حياة بدوية حول مدينة شندى وقليل منهم استقر داخل المدينة . التجار فى شندى اكبر مجموعة تحظى بالاحترام والتقدير . التجار اكثرهم من مناطق اخرى بعيدة من شندى . فتجد بعضهم من سنار ودارفور ومن دنقلا . من أكثر العشائر عددا فى شندى الدناقلة حتى انهم كونوا حيا خاصا بهم يسمى حلة الدناقلة ولكنهم مع ذلك مكروهين فى شندى ولا يحظوا بالاحترام مثل العشائر الاخرى . بل ينظر اليهم بازدراء ودونية ذلك ان جشعهم وحبهم لجمع المال واكتنازه وعملهم فى السمسرة اضاف صورة سوداء لسمعتهم فى المدينة حتى انها تعتبر اساءة لا تغتفر اذا عير احد من الناس بالدنقلاوى ذلك مثل ان يعير احدهم بانه يهودى فى اوربا التجارة ازدهرت فى شندى بسبب ان المك لا يتحصل على ضرائب او مكوس من التجار او من القوافل العابرة. كثير من الناس ذكروا لى ان هناك اتفاق بهذا بين المك وبين حكام سنار . اذ ان الضرائب والمكوس تدفع مرة واحدة لحاكم سنار.لم استطع التأكد من هذه المعلومة ولكن كان واضحا ان القوافل لا تدفع الضرائب لمك شندى ولكن يكتفوا بارسال هدية بسيطة للمك واخرى لاخيه حتى ينعموا بحمايته . شيخ قافلتنا عندما وصلنا الى شندى ارسل بهدية الى المك عبارة عن كمية قليلة من الصابون والسكر قدرت قيمتها بنصف دولار اثناء اقامتى فى شندى وضح لى ان سلطة المك مطلقة وانه ممسك بزمام الامور وبكل حبال السلطة فى شندى . وهو يعين اقربائه حكاما على القرى التابعة لمناطق نفوذه .حكومته تتكون من حوالى ستة شرطية وكاتب وامام وامين خزينة وحرس خاص يتكون اساسا من عبيده
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى 17-04 الى 17-05-1814 م سكان شندى مثلهم مثل سكان بربر تحت سيطرة وسلطة المك . ولكن سوء الخلق والفوضى تغلب على طبائعهم . وسبب ذلك ان العقوبة على الجرائم غالبا ما تكون مخففة .والعقوبات فى الغالب تنفذ كصورة لحفظ هيبة السلطة والمك وحماية من انتشار الجريمة وذلك بالتلويح بسيف العقاب . السكارى الذين يتعرضون للغير والسارقون كلهم بعد القبض عليهم يعرضون على المك ولكن فى الغالب فان المك يكتفى بسجنهم يوم او يومين قبل اطلاق سراحهم .اثناء اقامتى فى شندى لم اسمع باحد حكم عليه جزاء جرمه بالجلد او الاعدام مع ان كثير من الجرائم ترتكب يوميا المحكوم عليهم بالسجن اذا دفعوا غرامة مالية للمك قد يسمح لهم بالذهاب الى منازلهم بدلا من السجن . اللصوص من كردفان كما علمت غالبا ما يحكم عليهم بالاعدام بيوت الدعارة والانادى حيث تباع المريسة والعرقى منتشرة فى شندى كما فى بربر . وان كانت اماكن بيع الخمور اكثر من بيوت الرذيلة .اثناء اقامتى فى شندى كان لا تكاد تمر على ليلة من غير سماع غناء السكارى فى الانادى مع ان اقامتى كانت فى حى الدناقلة الذين يشغلهم جمع المال واكتسابه من تعاطى هذه الافعال . وعموما فان حى الدناقة من أهدأ الاحياء فى شندى
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى 17-04 الى 17-05-1814 م فى شندى ملابس السكان وعاداتهم مثلها مثلها مثل تلك التى فى بربر والدامر . ويبدو أن ذلك يمكن أن يعمم على السكان حتى سنار ودارفور . لكن لاحظت أن السكان فى شندى احسن لباسا وأكثر نظافة .لبس الحلى الذهبية شائع بين النساء فى شندى والنساء كما لاحظت هنا يلبسن حلى ذهبية فى آذانهن وأنوفهن .فى بربر شاهدت عدد قليل من النساء اللاتى يلبسن مثل هذه الحلى .الطبقة العليا فى شندى تبدو أكثر ثراء منها فى بربر أو الدامر وليس من الغريب هنا أن يكون لأحد العائلات عشرةأو أكثر من العبيد يعملون فى المنازل والمزارع الخاصة بهم .سكان شندى أكثرهم تجار أو رعاة أو مزارعيين .لكن المزارعيين لا يهتمون أنفسهم بالزراعة وانما يتركون أمرها للأعراب الذين ينزحزن الى شندى من المناطق الزراعية المجاورة . الارض الزراعية مقابل المدينة صغيرة نسبيا ولكن الى الشمال والجنوب هناك اراضى زراعية متسعة . السواقى شائعة الاستعمال هنا وتستعمل لرى المناطق المرتفعة التى لا يغمرها الفيضان . المزرارعون يزرعون بالسواقى محصولا واحدا شتويا ولكنهم من الكسل بحيث لا يفكرون فى وراعة الارض بالسواقى مرة ثانية وثالثة صيفيا كما هو الحال فى مصر . المحصول الزراعى الاساسى هو الذرة ويزرع القمح والدخن ولكن بكميات أقل .القمح يزرع اساسا لاستعمال التجار الاجانب االذين يزورون شندى .فى سوق شندى رأيت بعض المحاصيل التى تزرع فى مناطق أخرى مثل البصل الذى رأيته بكميات كبيرة والشطة الحمراء التى تصل من كردفان والبامية والحمص والطماطم التى دائما ما توجد فى سوق شندى اما طازجة واما ناشفة . وبعد انحسار الفيضان تزرع كميات من البطيخ والعجور ولكن فقط لاستعمال الم وغائلته
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى 17-04 الى 17-05-1814 م الماشية فى شندى من الانواع الجيدة نوعا ويقال ان عدد الماشية ونوعياتها يزداد ويتحسن كلما اتجهنا جنوبا.شاهدت فى شندى عددا من الحيوانات الاليفة لم أشاهد مثلها فى مصر مثل الغزلان . الفيلة يقال انها تشاهد فى مناطق ابوحراز شمال سنار ويقال انها لا تجتاز تلك المناطق شمالا بسبب وجود سلسلة من الجبال على امتداد النهر . اما النمور والزرافة فيقال انها تشاهد فى المناطق الشرقية من شندى فى مناطق تسمى الدندر . الزرافة يصتادها عرب الشكرية والكواهلة وذلك بسبب غلاء جلودها التى تباع بمبالغ كبيرة وذلك لعمل المتاريس الخاصة بالقتال . شاهدت فى سوق الماشية بشندى اعدادا من الغزلان البرية بقرونها الطويلة واحجامها الكبيرة . ولحمها طيب المذاق وتسمى بالريل . والريل فى سوريا يطلق على الغزال الاحمر وفى مصر العليا تسمى التيتل . تصتاد الغزلان كما يصتاد النعام وذلك بواسطة شباك توضع فوق الحفر . لكن نوعية ريش النعام التى تجلب من مناطق غرب شندى انواعها ليست جيدة ويخلط فيها الردىء مع الجيد ويبعيها الاعراب مبادلة بالذرة . وفى مصر يفضلون ريش النعام الذى يجلب من مناطق كردفان ودارفور .
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى - 17-4-الى 17-05-1814 م فرس البحر او القرنتى كما يسمى فى المنطقة ليس مالوفا رؤيته بشكل دائم فى شندى . ولكن احيانا تظهر واحدةاو بعض منها . ابان اقامتى فى شندى ظهر واحد شمال شندى واحدث خرابا فى الزرع والارض . وفرس البحر لا يخرج من الماء الا ليلا ويجول فى المزارع فى اطراف الشاطىء السكان ليس عندهم ادوات لصيده او قتله .لكن فى مناطق سنار حيث تكثر هذه الحيوانات يقوم السكان بصيده بواسطة حفر ينشئوها قرب الشاطىء تغطى بالعشب حيث تسقط هذه الحيوانات فيها ليلا ولا تسنطيع الخروج وفرس البحر يؤكل لحمه فى مناطق سنار وتصنع من جلده السياط ( الكرابيج ) يقطع الجلد مباشرة بعد صيد الحيوان الى قطع رفيعة وطويلة بطول 5-6 أقدام وتترك لتنشف فى حر الشمس .وتدهن بالودك او السمن بعد ذلك حتى تحافظ على طرواتها . فى سوق شندى تباع انوع من هذه السياط والكرابيج فى حزم 12-16 كرباج بسعر شلن اسبانى وتصدر الى مصر حيث استعمالها شائع هناك لضرب الخدم والمزارعيين . فى مصر اسعارها حوالى نصف دولار للكرباج الواحد
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى - 17-4 الى 17-5 - 1814 م التماسيح توجد باعداد كبيرة فى نهر النيل بمناطق شندى . وقد لاحظت اثناء رحلتى من مصر الى هنا ان التماسيح تعيش وتستوطن مناطق معينة من مجرى النهر فمثلا لاحظت ان هذه التماسيح توجد باعداد فى مناطق من مصر العليا مثل مناطق ارقين ، ندنرا وأدفو بينما ينعدم وجودها تماما فى مناطق مصر الوسطى والسفلى ولست ادرى الاسباب التى تمنع حركتها شمالا مع تيار النهر . كذلك الحال هنا فى ارض النوبة ففى مناطق بربر وشمالها لا توجد التماسيح بكثرة و لا يخاف الناس منها بتاتا حتى أننا كنا كثيرا ما نسبح فى النهر حتى وسطهه دون أن نخشى شيئا . ولكن هنا فى شندى فان الناس عامة يخافون ويفزعون من التماسيح فالعرب والعبيد والنساء الذين يردون النهر صباحا ومساء لجلب الماء من النهر تراهم حذرين للغاية .يردوا الماء فقط من اطراف النهر ولا يجرؤا على التعمق داخله . كذلك يفعل الذين يسبحون والذين يغتسلون فى النهر . وقد حضرت مرات وانا عند النهر ظهور التمساح وقد شاهدت كيف كان خوف الناس والفزع الذى اعتراهم بمجرد رؤية التمساح . ربمل كانت التماسيح هنا من الانواع المتوحشة الشرسة . اثنا وجودى فى شندى افترس التمساح رجلا . كان مصابا بالجدرى وقد نصح بالاستحمام فى النهر حتى يكتمل شفاؤه . فكان مصيره ان اكله التمساح .فى مناطق سنار تصتاد التماسيح وتباع فى الاسواق للحمها وجلودها . وقد أكلت أنا بعضا من لحم التمساح فى أسنا بصعيد مصر صاده بعض الصيادين بشباك قوية وكان طوله أكثر من اثنا عشر قدما . حاكم اسنا أمر باحضاره الى دار الجكم حيث أطلق عليه عندئذ أكثر من مائة طلقةدون أن يموت أو أن تؤثر عليه ثم اخير طرح على ظهره وظهر عندها جلده الرخو عند بطنه فاطلق عليه طلقة واحدة فمات . الاسماك لا تؤكل كثيرا فى شندى وقد رايتها مرات قليلة جدا تباع فى شندى . يبدو أن السكان هنا لا يعرفون الشباك لصيد الاسماك . الصبيان يمارسون هواية الصيد بواسطة سنارات صغيرة .
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى 17-04- الى 17-05-1814 م الانتاج الزراعى فى شندى قليل لا يكفى حاجة السكان . الذين زاد عددهم مع زيادة القوافل الواصلة والمارة بشندى .ومع زيادة اهمية شندى كملتقى لطرق القوافل . يستورد الذرة وهو الطعام الاساسى للسكان يستورد من مناطق ابوحراز فى طريق سنار . اثناء اقامتى فى شندى _ حوالى شهر - وصلت الى شندى قافلة بها أكثر من ثلاثمائة جمل محملة بالذرة . بعد وصول القافلة انخفضت اسعار الذرة فى سوق شندى من 12 وسق للدولار الى عشرين وسق للدولار . اسعار الحبوب فى شندى تختلف من يوم الى يوم حسب العرض والطلب . ويتاثر السعر كثيرا بوصول القوافل من مناطق أخرى حيث يشترى اتباع القوافل الذرة والحبوب لعبيدهم وللجمال . المك فى شندى يحتكر تجارة الحبوب بقدر ما يستطيع ماديا . الذرة يقال انها رخيصة جدا فى مناطق الصعيد ومناطق ابوحراز يقال ان الدولار يشترى اربعين وسقا . لكن الذرة التى تزرع حول شندى خاصة جوار النهر اسعارها مرتفعة يقال انها اطيب مذاقا من ذرة الصعيد
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى 17-04 الى 17-05-1814 عدد الحصين فى شندى كبير مقارنة بعددها فى بربر ويقال ان المك نمر تحت امرته فى شندى لوحدها حوالى ثلاثمائة فارس مع خيولهم . عادة الاعراب خارج شندى انهم يفضلون ركوب اناث الخيل بدلا من الفحول الجامحة . لكن سكان المدينة هنا يفضلون ركوب الفحول . أخو المك واسمه سعد الدين له فرس فحل اصيل يقال انه دفع ثمنا له ثلاثون عبدا . اشتراه من مناطق جنوب شندى . ولقد رايته فرسا اصيلا جميلا لم ارى له مثيلا فى زيارتى هذه لبلاد النوبة . شاهدت عرضا للفرسان فى يوم احتفال بختان ابن للمك نمر .فقد كانت سيرة ضافت ارجاء المينة بحضور جل فرسان شندى على خيولهم مع المحتفى به واسرته .فرسان شندى كما بدى لى اقل تدريبا ومهارة من فرسان المماليك فى مصر . فقد شاهدت احتفالات للفرسان فى مصر . كان المماليك يبدون فيها مهاراتهم فى ركوب الخيل يتقدمون ويتأخرون يتحكمون فى الخيل بحركات وصور بديعة . هنا الفرسان كما ظهر لى تدريبهم ومهاراتهم ضعيفة وهم يمثلون عماد الجيش وقوته الحربية التى يواجه بها الاعداء .لاحظت ان اللجام والسروج والرباط التى تجهز بها الخيول هى عينها التى فى بربر وفى بلاد الشايقية وهى ذات دلالة خاصة على الفروسية وعلى التميز .المك نمر لديه حولى عشرون بندقية قديمة حصل عليها اما بالشراء او المصادرة من التجار الذين يأتون من مصر .هذه البنادق يسلح بها المك خاصة عبيده ولكن قليل منهم جدا من يجد الشجاعة لتعمير البندقية او اطلاق الرصاص . لم ارى واحد منهم اثناء وجودى فى شندى وهو يستعمل سلاحه او حتى يضعه على كتفه فى وضع الاستعداد . منظر البندقية وحده كاف لنشر لنشر الذعر والفزع بين الناس وتلك مهمتها الاساسية لاظهار هيبة السلطة . الناس هنا بطبعهم ميالون الى انهاؤء الصراعات بينهم سلميا وباقل قدر من اراقة الدماء ذلك أن الثأر والانتقام من طبيعة الحياة هنا
  • كثير من طبنجات المك نمر اما معطوبة غير صالحة للأستعمال أو مصدئة تحتاج الى صيانة . ولكن عله لم يجد احدا يجيد نظافتها وصيانتها . شاهدنى يوما بعض خاصة المك وانا أنظف بندقيتى فظنوا انى خبير فى هذا المجال . استدعانى المك وقدم لى عروض مجزية لاصبح مسؤلا عن صيانة سلاحه وصناعته . وذلك مقابل عبد واحد وجاريتين وكمية من الذرة تكفى لاعاشتهم . وجدت صعوبة شديدة فى اقناعهم بأنى لست خبيرا فى هذا المجال وأنى لا اعرف شيئا البتة عن صناعة وصيانة السلاح .عليه وبعد تجربتى فأنا انصح المسافرين الى هذا البلاد الا يظهروا معداتهم وادواتهم المتقدمة .حتى لا يكرهوا لمصادرتها متهم أو اجبارهم للبقاء لصيانة ادوات مماثلة . عليه لما لم يفلح المك فى اقناعى للبقاء معه لصيانة السلاح يبدو انه خطط على الاقل لمصادرة بندقيتى . فقد ارسل لى طالبا ان يراها ومن ثم احتفظ بها عدد من الايام . ولما الححت فى طلب استردادها وذهبت اليه عدد من المرات طالبا اعادتها ارسل لى اربعة دولارات اسبانيةومعها عدد من صوانى اللحم والكسرة من مطبخه الخاص اشتكيت لعدد من الناس من هذه المعاملة التى عاملنى بها المك وانه لم يعيد لى بندقيتى . ولكنهم اجابوا بما أن المك قد ارسل لى طعاما وقد أكلته فمعنى ذلك انى اصبحت صديقا له . وعندئذ سيكون فى عرفهم من العيب فى حقى وتكون اهانة للمك ان سألته بعدها عن البندقية . لقد حزنت للغاية لفراق بندقيتى خاصة وانا محتاج لها للغاية فى البلاد الاخرى التى انا مسافر اليها .ولكن فى مثل هذه الاحوال قبول اربعة دولارات خير من لا شيىء ذلك انه لا سبيل لاستعادتها وحتى لا يمكننى ان اطلب ثمنا عادلا لها . لذا قبلت المبلغ شاكرا وفى نفسى حسرة
  • لقد لاحظت ان الاسلحة بانواعها قليلة العدد نسبيا فى شندى .قلت لم لا يستوردها التجار من مصر وهى قد تكون تجارة مضمونة ؟؟. لكنى علمت ان التجار القادمين من مصر حذرين للغاية للتجارة فى هذا النوع من البضائع وذلك لسببين . السبب الاول ان الناس هنا يخافوا ويفزعوا للغاية من رؤية ولمس الاسلحة النارية لذا يخشى التجار من اثارة زعماء العشائر والسكان مما يعرضهم اى التجار لمخاطر عظيمة . والسبب الاخر هو الخوف من مصادرة السلاح وعدم دفع ثمنه بواسطة شيوخ المناطق. سكان الريف الذين لا يزورا المدن كثيرا ولا يختلطوا بالتجار الاجانب يفزعزا للغاية من رؤية السلاح النارى حتى ان الطبنجة الصغيرة قد تخيف عشرة او أكثر من السكان . وأذكر مرة حضر الى بييتى واحد من ريف الجعليين يعرض على بعض من ريش النعام . ولما دخل الى الحجرة ورأى بندقيتى على جانب السرير فزع وولى هاربا ولم يدخل الا بعد ان اخفيت البندقية
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى - ابريل 1814 م اضافة الى ما كتبته عن فزع وخوف السكان من الاسلحة النارية فقد قرأت ما كتبه مبعوث الباشا التركى الى سنار فبعد عودته الى مصر كتب : انه قد حمل معه الى سنار مدفع صغير حمّل على ظهر جمل . قال انه عند وصوله الى سنار طلب منه مك سنار ان يجرب له السلاح .اصطف الناس فى فسحة كبيرة وقمنا بتعبئة المدفع واطلاقه . عندئذ هرب معظم الناس من المكان وبعضهم ارتمى على الارض وهو يصرخ طالبا للنجاة . عليه اضيف انى عند زيارتى هذه الى هذه البلاد فقد لاحظت ان السكان يتجنبون للغاية لمس بندقيتى ولا يشعر بالاطمئنان قربها الا الذين زاروا مصر او بلاد العرب وشاهدوا هناك بعض الاسلحة النارية .وكان بعض الشبان الذين معنا فى القافلة اذا ارادوا طرد الزوار المتطفلين غير المرغوب فيهم حملوا بندقية وصوبوها نحوهم . كأنهم يودون اطلاقها عندئذ يهرب القريون بعيدا وبسرعة . عليه اذا كان هذا هو حال السكان فى المناطق القريبة الى مصر ، ولا شك انهم على الاقل قد سمعوا ان لم يكونوا رأوا سلاحا ناريا اذا كيف يكون حال الناس فى المناطق البعيدة والنائية نتيجة لذلك فانى اعتقد جازما ان عدد قليل من الجنود الاوربيين مسلحون باسلحة بسيطة يمكنهم ان يشقوا طريقهم من اسوان حتى اعماق القارة دون مقاومة تذكر يمكنهم تحمل تغير الجو والطبيعة والطعام بقليل من الصبر . وشاهد على ذلك ان عدد قليل من المماليك الضعفاء حوالى مئتان وخمسون استطاعوا هزيمة واحتلال دنقلا .رغم مساعدة الشايقية والجعليين للدناقلة . وأقول ان على الاوربيين الا يخشوا كثيرا من الافارقة فهم منقسمون ومشتتون وليس هناك كيان واحد يجمعهم . يمكن للحملات ان تسير بجانب النهر حيث هناك الكلأ للدواب والطعام كما يمكنهم اختيار اماكن مناسبة للعسكرة فيها اتقاء موسم الامطار . لذلك اعتقد انه لا توجد هنا فى هذه البلاد اخطار كثيرة مقارنة بمناطق غرب افريقيا . لكن الرحالة والمستكشفون الذين يأتون فرادى الى هنا.. فهم ربما يقابلون مخاطر وصعوبات كبيرة عليه ان كان يراد اكتشاف مناطق النيل الابيض فذلك يجب ان يكون بواسطة حملة من الحكومة الريطانية التى تستطيع تنفيذ ذلك بما لها من امكانات وخبرات فى اكتشاف مناطق اخرى مماثلة
  • كتب بوركهارت عن زيارته لشندى ابريل /1814 م يقام سوق شندى فى فسحة كبيرة بين اكبر حلتين ( جمع حلة) من حلال شندى الاربعة الرئيسية .يتكون السوق من دكاكين صغيرة فى ثلاث صفوف مبنية من الطين كل صف خلف الاخر الدكان على شكل المشكاة ( كوة أو طاقة)طول كل دكان حوالى ستةأقدام وعرضه حوالى اربعة أقدام الدكان سقفه من البروش وأصحاب الدكاكين من اثرياء المدينة . يحمون بضائعهم صباحا من منازلهم الى السوق ويعيدونها مساء . الدكاكين ليس لهت أبواب لحمايتها . أما صغار التجار فانهم يجلسون فى هذه الفسحة على الارض بضائعهم على الارض وهم تحت مظلة بسيطةمن البروش ترتكز على ثلاث عصى ويمكن ان توجه هذه المظلة فى جميع الاتجاهات اتقاء حر الشمس . لقد شاهدت هذا النوع من المظلات ايضا فى الحجاز عندما زرتها بعد ذلك
  • كتب بوركهارت عن رحلنه الى شندى ابريل - 1814 م شندى لها سوق يومى صغير وسوق اسبوعى كبير . السوق الاسبوعى يؤمه القريون من المناطق المجاورة لذلك يكون عامرا وتشترى وتباع فيه كثير من السلع العملة المستعملة عامة فى التبادل التجارى هى الذرة وقطع الدمور . لكن الرقيق ( العبيد ) والجمال فانها تباع بالدولار او مبادلة بالسلع التى يحضرها المشترون من مصر وسواكن . الريال ( الدولار ) المستعمل بكثرة هنا هو الريال الاسبانى ويسمى عند العامة ( ابو مدفع ) وذلك لرسم مدفع موجود على ظهر الريال والدولار الاخر المستعمل هو ما يسمى ( ابو عمود ) وذلك لوجود اربعة خطوط ترمز الى الملك كارلوس الرابع اما ريال كارلوس الثالث ونسبة لوجود ثلاثة خطوط تميزه فان سعره يقل عن ريال كارلوس الرايع بمقدار السدس .هذه الخطوط اذا لم تكن واضحة ( مسهوكة ) فان قيمة الريال تقل كثيرا . اما ريال قريدنارد الفرنسى فان قيمته تقل الثلث عن الريال الاسبانى ريال تريزا النمساوى غير مرغوب فيه ولا يتم التعامل به . اثناء وجودى فى شندىى مررت بحداد وهو يضيف خط واحد الى ريال كارلوس الثالث حتى يقدر بقيمة ريال كارلوس الرابع . مقابل ذلك فانه يتقاضى ما مقداره مكيالين من الذرة . العملة الذهبية لا يتعامل بها فى شندى . ولكن القطع الصغيرة من الذهب الخالص والقطع الصغيرة من الحلى يأتى بها تجار سنار ويستبدلونها بالريلات الفضية والسلع . ولقد علمت أن بعض من مماليك مصر أرسلوا الى شندى نقودا ذهبية تركية لاستبدالها بريالات فضية . اشتراها بعض التجار فى شندى بنصف قيمتها ولكنهم ندموا بعد ذلك . لانهم لم يستطيعوا ان يشتروا بها سلعا من شندى . ولو كانو اشتروا بضاعة بريالتهم الفضيلة لكانوا ربحوا اضعاف ما ربحوه من النقود الذهبية
  • اظهر جميع التعليقات
  •  9 كيلو متر
  •  131 كيلو متر
  •  151 كيلو متر
  •  158 كيلو متر
  •  393 كيلو متر
  •  521 كيلو متر
  •  544 كيلو متر
  •  934 كيلو متر
  •  980 كيلو متر
  •  1057 كيلو متر
This article was last modified منذ 2 شهرين